كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في الإحتفال السنوي الذي أقامته "جمعية العزم والسعادة الإجتماعية" تكريماً للمدارس المتفوقة في الشهادة الرسمية في طرابلس
الجمعة، ٠٤ نيسان، ٢٠١٤
أيها الحفل الكريم
يسرني أن نكون معاً اليوم في هذا اللقاء السنوي تكريماً للمدارس المتفوقة في الشهادة الرسمية.
في وجودكم تعجز الكلمات عن التعبير عن مدى التقدير لكم جميعاً على دوركم الرائد في تربية الأجيال وإنارة طريقها بالعلم ومكارم الأخلاق.
فضلكم في كل بيت وفي عقل كل إنسان.
بفضلكم تجسدت فينا ثقافة"إقرأ".
بدعمكم تجذرت الثقافة في سلوكنا، ثقافة المواطنة والعيش الواحد، وكم نحن بحاجة اليوم إلى كلمة سواء بين جميع اللبنانيين للعبور بالوطن إلى الأمان بعيداً عن الإصطفافات والمماحكات التي لا طائل منها.
نلتقي اليوم بإرتياح بعد البدء بتطبيق الخطة الأمنية في طرابلس، وهي الخطة التي رحبنا بها أحر ترحيب خاصة وأنها كانت وليدة الحكومة الماضية، ونشكر الله، أنها أتاحت لنا كشف الأمور بالكامل:
من قائل لا للجلوس مع حزب الله إلى مطالب بفتح كل القنوات للإتصال مع الحزب.
من مطالب بالتمنع عن الجلوس مع المتهمين بجريمة العصر إلى جالس بإنسجام وأخوة معهم والحمد لله.
من متهم للجيش بالإنحياز لمصلحة حزب الله إلى مزايد في الثناء على دوره.
من قائل هؤلاء هم أولادنا وحماة طرابلس إلى التخلي عنهم بالمطلق.
الحمد لله أننا نحسب على أنفسنا الكلمات ولا نقول إلا ما يرضي الله ويرضي ضميرنا ونتمسك بالحق قولاً وممارسة.
جلسنا ونجلس مع الجميع حين يكون لهذا الجلوس فائدة في حماية لبنان وتحصين وحدته.
نتحاور مع كل الأطراف دون استثناء في لبنان لأننا نعلم وطالما قلنا أن لا مفر من الحوار وها هم اليوم يتمسكون بحوار لطالما رفضوه.
أخذنا قرار النأي بالنفس عن الأزمة في سوريا فتناوله البعض تهشيماً وتسخيفاً فإذا بهذا البعض يتمسك به ويشدد في المطالبة بتحقيقه.
سيادة الدولة هي الأساس والأمن يجب أن يسود في طرابلس وقد ساد والحمد لله فسقطت الأقنعة في مقابل المساومة على مصالح خاصة وآنية، ويبقى شعارنا الجيش عماد الوطن.
نادينا دائماً بزرع الثقة فقوبلنا بزرع الشك.
نادينا بالتعاون فجوبهنا بالرفض وبث التفرقة.
نادينا بالإعمار والبناء فردوا علينا بالتهديم والتخريب.
زرعوا طرابلس أحجار أساس لمشاريع مختلفة من دون رصد الإعتمادات اللازمة لها، فيما حكومتنا وفرت تلك الإعتمادات اللازمة لإستكمال مباني الجامعة اللبنانية وأوتوستراد طرابلس البداوي وسوق الخضار والمرفأ، وكلها واجب علينا.
قالوا عن قرارنا بالقبول برئاسة الحكومة أنه خيانة، فرفضنا قولهم لأن ولاءنا للوطن ولخدمة الوطن فقط ولسنا في خدمة أي كان، وخيانة الوطن بطرحه في أسواق البيع والشراء هي الخيانة التي لا تغتفر.
دعوناهم للمشاركة في ورشة حكومية واحدة لإنقاذ الوطن وإنتظرناهم شهوراً فأبوا وها هم اليوم يقبلون بما رفضوه.
لسان حالنا: كلنا للوطن، كلنا للعمل. أما لسان حالهم: نحنا أو ما حدا.
يريدون تكريس نهج الإلغاء لكل صوت آخر أو رأي آخر لكننا نقول أنا ومن معي نحن لا نخضع إلا لإرادة الله.
قرارنا من رأسنا ومن تمسكنا بالتعبير عن إرادتكم أنتم يا أبناء الفيحاء ويا أبناء الشمال، نصيب ونخطئ لكننا نحن أصحاب القرار الحر.
طرابلس كانت وستبقى رأساً في المعادلة السياسية اللبنانية ولن يستطيع أحد أن يهمشنا.
أيها الأخوة،
حان الوقت لكي نعبر جميعاً إلى سلطة الدولة التي هي ملاذنا الأول والأخير، والبداية لتحقيق ذلك هو في إجراء محاكمة عادلة لجميع المطلوبين وملاحقة المحرّضين أيضاً والعمل الجدي والمنتج وليس رمي المسؤوليات جزافاً.
هذه هي البداية، وبعدها يكون الوقت مناسباً للإنتقال من التراشق بالمدافع والتهم إلى التسابق على صناعة السلام لمدينتنا بالحكمة والفكر المستنير والرأي الرشيد.
طرابلس لم تعد تتحمل المزيد من النزاعات المدمّرة والخلافات العميقة.
طرابلس أمانة في أعناقنا.
فلتكن صفحة جديدة من التعاون بين الجميع لتثبيت الأمن والإستقرار في المدينة وتفعيل الدورة الإقتصادية عبر صرف المبالغ التي خصصتها حكومتنا لطرابلس والبالغة مئة مليون دولار، والتي حالت ظروف الأحداث دون إستثمارها في مشاريع منتجة للمدينة ولجميع أبنائها.
أيها الأخوة،
لم أتوقف في السابق عند كل حملات التخوين والتجريح وكلام السوء ولن أعيره إهتماماً اليوم.
هدفي الأول والأخير مصلحة طرابلس وأهلها، ومستعد لكل تضحية من أجلهما.
لا أخشى ركوب الموج وأنتم معي بعد الله سبحانه وتعالى.
لا أخشى كيد الكائدين وأنا محصّن بالإيمان وبمحبتكم وبمعرفتكم بأنني كنت وسأبقى إلى جانبكم في أي موقع كنت فيه، وفي أي موقع كنتم أنتم فيه، سواء كنتم معلمين وعمالاً وتجاراً وموظفين ورجال دين ومواطنين.
أيها الأخوة،
قد تعلو أصوات وقد تخفت، وقد تصدح حناجر وقد تسكت، لكن أحداً لا يستطيع أن يقول عن الماء حجر وعن الحجر ماء. خدمة الناس عبادة، ومن عبادة الله حسن المعاملة.
أما النميمة والحقد فلا مكان لهما في قاموس المؤمن، وأنا وكل من ينتسب إليّ كنهج ومدرسة، لا يمكن أن نقابل التجريح إلا بالإحسان، لكننا لن نسكت عن ظلم في السياسة، وعن مضيهم في رمي الإتهامات جزافاً، ولن نتبع التجريح طريقاً ولو خالفنا البعض الرأي في هذا النهج.
طرابلس عائلة واحدة تجمعها الأفراح والأحزان، فلن نساهم قط في التفريط بنسيجها من أجل أي منصب أو أي طموح.
سنبقى معاً على هذا النهج في كل المفاصل وسنبقى معكم في كل التفاصيل، في حلوها ومرها.
لا خوف على مدينة أنتم أهلها ومعلمو تلامذتها وصانعو المجد الآتي إليها لا محال، بفضل ثقافة الإعتدال والدين الحنيف والوسطية السمحاء.
عاشت طرابلس.
عاش لبنان.