
كلمة الرئيس ميقاتي في الذكرى السنوية الثانية لرحيل النائب الدكتور عبد المجيد الطيب الرافعي في طرابلس
السبت، ١٣ تموز، ٢٠١٩
أيها الحفل الكريم
للسنة الثانية أعتلي المنبر في حضرتكم لنحيي ذكرى غياب الدكتور عبد المجيد الرافعي، العلامة الفارقة في تاريخ طرابلس وحضورها السياسي المحلي والوطني والعربي، الرجل الدمث، السياسي الصلب المبادئ، والطبيب المداوي والحكيم بكل معنى الكلمة. فمن أوتي الحكمة أوتي كل شيء.
هي الأيام، يداولها الخالق بين الناس وليُظهِرَ أَيُهُم أحسن عملًا. ومدُ يد الخير للناس عبادة يا من لم تعرف يديه سوى الخير وقلبه سوى الحب وعقله سوى المبادئ والقيم. ولقد صح لي ان ألقى نظرة على الكتاب الذي أعده الدكتور مصطفى حلوة وفيه شهادات الناس بك وخطبك ومواقفك، فتأكدت أنك مرجع لي ولكثر من مثلي نلجأ الى تاريخك لنستلهم منه في وطن لم يتعظ بعض سياسييه من التاريخ ليحموه من الويلات ومن النكبات، بل على العكس هم يمعنون في استحضار الإنقسامات والحروب والطائفية والعصبيات المذهبية في محاولة لتوظيف الناس لخدمة مشاريعهم السلطوية.
والى السيدة التي تمسكت بكل تفصيل أراد الدكتور الرافعي التمسك به، من البيت المفتوح، إلى الخدمات الشعبية، إلى لقاء الثلاثاء بنشاطه ومتابعته الحثيثة لشؤون المدينة وشجونها، إلى السيدة ليلى كل المحبة والتقدير والاحترام والعرفان. منك نتعلم الوفاء والثبات والنضال ولك طول العمر.
أيها الحفل الكريم
في ذكرى من كان قدوة في الانتماء الوطني والقومي، نتطلع الى واقعنا المرير فنراه يتدحرج أكثر فأكثر نحو الانغلاق والتقوقع، فالحكم في لبنان بات كحكم الزوايا، بحيث يتمترسُ كل فريق في زاويته الطائفية والمذهبية ويمتنع عن التفاعل مع باقي مكونات الوطن. الاحداث الامنية المؤلمة التي شهدناها خطيرة جدا جدا وسببها الرئيس كان وسيبقى النفخ في العصبيات وتحريك الفتن النائمة كما وتسخير الدولة ومرافقها لخدمة طرف على حساب أطراف، وهذا لا يستقيم في لبنان بلد التوازنات الدقيقة والحساسيات المفرطة وخصوصيات المجموعات اللبنانية، ولا أعني بكلمة الخصوصيات الدينية فحسب بل حتى الإجتماعية بين قرية واخرى ومدينة واخرى.
وفي خضم هذه الأحداث، لاحت في الأفق محاولة لاستدراج طرابلس الى فتنة، فوقفنا مع قيادات المدينة السياسية والروحية سداً منيعًا في وجهها. قلنا ونكرر القول كل يوم: طرابلس مدينة ترحب بكل الناس وتتعامل بإحتضان مع من يحتضنها ويحترم خصوصياتها وتدير الظهر لمن يحاول استدراجها او فرض وجوده عليها.
الخصوصيات الطرابلسية معروفة لا تحتاج لتفسير: طرابلس مدينة عروبية، إلتزام أهلها الديني تاريخي، ففيها من المساجد والكنائس ما يكفي لفهم تلك الخصوصية وهي مدينة الأبواب: من باب التبانة الى باب الرمل الى باب الحديد الى البوابة في الميناء. أبوابها معروفة وكذلك كيفية الدخول اليها. ونحن، كما يعرف الجميع، من أصحاب نظرية الأبواب المفتوحة في السياسة، فاذا أغلقت الأبواب نبقي القنوات مفتوحة، وإذا أغلقت القنوات نفتش عن النوافذ.
فنهج التحريض والقطيعة واستحضار المحطات السيئة ليس نهجنا ولن يكون، فنحن كنا وسنبقى من سعاة الخير والجمع لا التفرقة. واليوم، وفي حضرة الغائب الحاضر، أؤكد للجميع أن طرابلس عنوان الإنفتاح بين كل المكونات اللبنانية وهي ترحب بكل ضيوفها وتستقبل الجميع بالترحاب. تحصل أعمال ارهابية في أكثر مدن العالم أمنا، وهذا لا يعني ان تلك المدن موصومة بالإرهاب.
ويجدر بنا للمناسبة أن نتقدم بالشكر والتقدير من الجيش وقوى الأمن الداخلي وكل الاجهزة الأمنية الذين يعملون على ضمان الأمن في طرابلس وفي كل لبنان، وعسى أن يعمل بعض الأطراف على تخفيف الضغط عنهم من خلال تخفيف نبرة التوتر في الخطاب والتوقف عن التطاول الممنهج عليهم والتشكيك بدورهم عند كل مفترق وخلاف، لأن ذلك يضعف معنويات العسكريين الذين يضحون بحياتهم ووقتهم للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية الحدود ويترك انعكاسات سلبية على هيبة المؤسسات العسكرية والامنية.
أيها الحفل الكريم
أيها الغائب الحاضر أبداً، يا ابن العروبة والنضال، صفقة القرن قد لاحت بشائرها على حساب العرب كالعادة وعلى حساب الفلسطينيين، ويريدون منا نحن اللبنانيين أن نسير في ركابها، غير أننا ولله الحمد إتفقنا، منذ زمن الطائف وبعده في قمة بيروت للعام ٢٠٠٢، على أن لبنان لن يقبل بتوطين الفلسطينيين، ولن يوقع إتفاقًا إلا بعد استعادة أراضيه المحتلة والإعتراف بفلسطين دولة عاصمتها القدس، وبإجماع عربي كامل. وعلى هذا الأساس سنعمل وسنرفض المس بالأقصى وكنيسة القيامة وبالقدس العتيقة فهي للعرب وعاصمة فلسطين حتى ينقطع النفس.
ولكي يكون ختامها مسك نستعيد معاً بضع كلمات قالها من نحيي اليوم ذكراه لعلها تشكل عبرة للجميع. فقبل أقل من عام على بدء الحرب اللبنانية عام ١٩٧٥ قال "نحن أمام خيار بين اثنين لا ثالث لهما، فإما التغيير وإما الإنفجار. إما التغيير في قواعد الحكم وفي ممارسة الحكم وفي أهداف الحكم، وإما إنفجار الأوضاع وولوج المجهول من المصير". فهل نتعظ جميعاً وننقذ وطننا قبل فوات الأوان.
رحمك الله يا ابن العم وأسكنك فسيح جنانه والسلام عليكم.

