كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في حفل إطلاق التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان - السراي الكبير
الأربعاء، ١٢ كانون الثاني، ٢٠٢٢
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها وطننا، قد يقول قائل هل البيئة أولوية؟ والسؤال هنا عادي، لكن البديهي أيضا أن البيئة تمثل إحدى أبرز الخصائص التي تميز بها لبنان على الدوام، ومن واجبنا أن نوليها الأهمية القصوى ونحمي عناصرها، لأننا نحفظ بذلك إرث من سبقونا ونصون حاضر وطننا ومستقبله.
ولا بد لي بداية من أن أنوّه بالجهد الذي بذله معالي وزير البيئة ناصر ياسين، لإنجاز هذا التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان، والذي يحمل عنوانه إشارة لافتة هي"تحويل الأزمات إلى فرص"، للدلالة على أنّه ما زال ممكناً تصحيح الضرر البيئي في لبنان.
كما أحيي أيضاً فريق عمل وزارة البيئة، على صموده الوطني ومثابرته الإدارية ومقاومته البيئية رغم كل التحديات، خدمة للوطن وللمواطن.
أيها الحفل الكريم
إن التحديّات لتطبيق هذه المبادئ كثيرة، وفي العديد من الأحيان، تنبثق من بعد دولي وإقليمي ليس باستطاعة لبنان معالجته منفرداً. ففي موضوع البيئة تحديداً، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، عادت بي الذاكرة لدى قراءة مقدّمة التقرير الذي نطلقه اليوم إلى العام 2012، يوم أطلقت الحكومة التي كنت أرأسها التقرير الوطني نحو التنمية المستدامة بمناسبة مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة المعروفة ب (قمّة ريو 20) والتي رأست الوفد اللبناني إليها في حزيران 2012.
يومها خلص التقرير الى القمة الى أربع توصيات نستعيد منها اليوم اثنتين على ارتباط وثيق بواقعنا الحالي:
أولاً: إنشاء محكمة بيئية عالمية بعد الهجوم المتعمد الذي شنته القوات الجوية الإسرائيلية في تموز/2006 على مستودعات النفط في الجية وأدى إلى أسوأ تسرب نفطي يسجّل في تاريخ شرق البحر الأبيض المتوسط. وها هو لبنان اليوم، بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على هذه الكارثة، لم يقبض فلساً واحداً من التعويض البيئي المقرّ له بقيمة 856,4 مليون دولار في العام 2014، بالرغم من صدور ستة عشر قراراً من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لتاريخه، وآخرها قبل أسابيع ما يدفع وزارة البيئة إلى دق أبواب المانحين لدعم برامجها، إذا ما عجزوا عن تأمين حقوقها وفق القانون الدولي.
أما التوصية الثانية في التقرير الذي رفعناه يومها الى قمة "ريو٢٠" فكانت إعادة تأكيد حق الفلسطينيين في العودة حيث يصعب الحديث عن التنمية المستدامة في منطقة لا يزال ملايين اللاجئين فيها يعيشون في ظروف لا تحتمل. وها هو لبنان اليوم، بعد مرور عشر سنوات على التقرير المذكور، يستضيف اللاجئين الفلسطينيين، وأيضاً أكثر من مليون نازح سوري منذ ما يقارب العشر سنوات. فعن أيّ بيئة نتكلّم عندما يُفرض على بنية تحتية بيئية، بالكاد مكتملة بنسبة ثلاثين في المئة أصلاً، استيعاب أكثر من مئة وثلاثين في المئة من قدرتها القصوى في حال كانت مكتملة؟
السيّدات والسادة،
لقد أخذنا على عاتقنا، وبهدف تحقيق أقصى النتائج بيئياً، السير قدماً في إدماج البيئة في خطة التعافي والمشاورات ذات الصلة مع صندوق النقد الدولي، بحيث تكون المقاربة متكاملة وتبنى على أسس مستدامة. لذلك، وبالتعاون مع البنك الدولي، سندعو الشهر المقبل إلى مؤتمر حول التعافي الأخضر ضمن برنامج التعاون بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، على أمل أن تلقى اقتراحاتنا ونداءاتنا التجاوب المطلوب من الشركاء المحليين والدوليين، متوجهين بالشكر من الأمم المتحدة وسائر الشركاء الدوليين والإقليميين، وكل من ساند ويساند لبنان في تجاوز أزماته، وما أكثرها ...
أيها الحفل الكريم
أجدد ختاماً تأكيد السعي الى عودة الحكومة سريعاً الى الاجتماع حتى تنتظم أمور البلد والناس، ونتابع مسيرة الإنقاذ قبل أن يغدرنا الوقت ونصبح ضحايا أنفسنا. لبنان يستحق كل تضحية، واللبنانيون يتطلعون الى عودة الحياة الى لبنان، وإنقاذه من مخاطر الإفلاس والتدهور. ونحن فخورون بصداقات لبنان الدولية ونشكر كل اهتمام وحرص على مساعدة لبنان للنهوض واستعادة دوره على الساحتين الاقليمية والعالمية، لكن الجهد الأول مطلوب منا نحن اللبنانيين. من هنا واجبنا وقف التعطيل والعودة الى طاولة مجلس الوزراء لإنجاز ما هو مطلوب.
وفي هذه المناسبة لا بد أيضاً من توضيح ما استجد بالأمس من أمور لها علاقة القضاء، وفي هذه السياق أقول ليس صحيحا أننا تدخلنا في عمل القضاء أو في شأن أي قرار يتخذه القضاء، وجل ما شددنا عليه، ليس الدفاع عن أشخاص بل الحفاظ على المؤسسات، واتباع الأصول في التعاطي مع أي مسألة تتعلق بأي أمر قضائي، ومنها ما يتعلق بواقع المصارف انطلاقاً من أولوية الحفاظ على حقوق المودعين وفي الوقت نفسه عدم ضرب ما تبقى من مقومات اقتصادية ومالية تبقي هذا الوطن واقفاً على قدميه بالحد الأدنى.
وطالما أننا على مشارف إنجاز المهمات الأساسية التي نعمل لتحقيقها فإننا مستمرون في المهمة التي قبلنا المسؤولية على أساسها وندعو الجميع الى التعاون معنا لإنجاح هذه المهمة بما يعيد العافية الى لبنان واللبنانيين.
أهلا بكم مجدداً في السراي الحكومي والى المديد من العطاء والعمل. وشكراً.