كلمة الرئيس نجيب ميقاتي خلال "اللقاء التشاوري التربوي" في السراي الحكومي
الإثنين، ٠٧ شباط، ٢٠٢٢
أيها الحفل الكريم
حضرات السادة،
تشكل التربية والتعليم أحد أهم أركان بناء الدولة، ولأنهما كذلك فهما يتأثران بكل العوامل التي تتأثر بها الدولة. وفي وضعنا الراهن فإن التربية والتعليم هما أكثر ضحايا الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف ببلادنا منذ قرابة السنتين.
ومن هذا المنطلق كان لقاؤنا التشاوري الوطني اليوم كخطوة أساسية لإنقاذ قطاع التربية والتعليم العالي في لبنان وتعافيه. وفي هذا السياق لا بد من أن أحيي جهود معالي وزير التربية عباس الحلبي وطاقم الوزارة، كما أتوجه بتحية تقدير خاصة لرئيسة لجنة التربية النيابية السيدة بهية الحريري التي تواظب منذ سنوات طويلة على متابعة الشؤون التربوية وإيجاد الحلول المناسبة لها.
منذ اليوم الأول لعملنا الحكومي ونحن نواجه معضلة حل الأزمات التربوية المتراكمة ونسعى مجتمعين لحلها بالشراكة والتعاون بين الجميع رسميين وإدارات مدارس وهيئات تعليمية محلية ودولية ولجان أهل.
صحيح أننا لا نحمل عصا سحرية لمعالجة هذه المشكلة دفعة واحدة، لكننا بالتأكيد نملك الإرادة والعزم والتصميم على المحاولة، ونتطلع الى تفهم الجسم التعليمي من أساتذة واداريين لوضع الحكومة والإمكانات المحدودة وعلى صبرهم وصبر أهالي الطلاب، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعاني منها ترافقت مع انتشار جائحة كورونا التي زادت من تعميق الأزمة في قطاع التربية والتعليم.
لقد عاجلت الحكومة في أول إنطلاقتها الى تثبيت العطاءات الخارجية، ثم في أول اجتماع لها بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر بادرت الى تقديم المساعدة المالية للمعلمين شأنهم في ذلك شأن كل موظفي القطاع العام، وأنا أعرف أن هذه المساعدة غير كافية في وضعنا الراهن ولا تفيهم حقهم، ولكن وكما كان أهلنا يقولون لنا "البحصة بتسند خابية" فإن هذه المساعدة في وقتنا الراهن هي البحصة التي نريدها أن تسند خابية حياتهم اليومية مع عائلاتهم.
وفي هذا اللقاء سنتشاور في سبل تعزيز هذه التقديمات المؤقتة في انتظار وضع البلد والقطاع التربوي من ضمنه على سكة التعافي.
وفي المقابل فإن المطلوب من الأساتذة والمعلمين التعاون معنا لتمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل الأضرار وعدم رمي المطالب دفعة واحدة في وجه الحكومة والطلاب والأهالي، لا سيما وأن حال الخزينة العامة لا يحتمل أي إنفاق خارج القضايا الأكثر إلحاحاً.
الأولوية لدى الجميع في الوقت الراهن بجب أن تكون للمواءمة بين تأمين مقومات العيش الكريم للجميع والمحافظة على رسالة التعليم التي يحملها المعلّم منذ اليوم الأول لدخوله سلك التعليم.
أيها الحضور الكريم
في هذا اللقاء التربوي الجامع ، أعرب عن فخري واعتزازي بالجامعة اللبنانية وبكادرها التعليمي الذي يعتبر من بين أرقى الكوادر التعليمية في المنطقة العربية وأكثرها معرفة وكفاءة، وإن كانت الأزمة الاقتصادية الراهنة قد ضربت الكثير من المكتسبات المادية لهذا الكادر التعليمي وأجبرت الكثير منهم على الهجرة فإني أؤكد لكم أننا في الحكومة نعمل جاهدين على أوسع عملية إصلاح إقتصادي وإداري لإعادة البلد الى سكة السلامة، وفي حال نجاحنا في ذلك، وإن شاء الله سننجح، فإن أوضاعهم ستعود ليس فقط كما كانت عليه بل ستكون أفضل. ولكن ذلك لا يمنع أن نعيد النظر في انتشار فروع الجامعة اللبنانية وإعادة توزيعها وفق الحاجة وليس وفق محاصصات أثبتت أنها بعيدة كل البعد عن حاجة المواطنين.
أما في القطاع الخاص، فقد شكلت الجامعات العريقة على مدى سنوات طويلة رافعة للسمعة الطيبة للتعليم في لبنان، لكننا وللأسف بدأنا في السنوات القليلة الماضية نشهد تراجعاً ملحوظاً في أداء بعض هذه الجامعات الخاصة، بسبب ابتعاد البعض من أصحابها عن الرسالة التربوية للجامعة والجنوح نحو ابتغاء الربح غير المشروع والطرق الملتوية في تحقيق هذا الربح، لذلك فإن المسؤولية تقع أولاً على أصحاب هذه الجامعات لاستعادة سمعة جامعاتهم وثانياً علينا لملاحقة هذه الجامعات ومراقبة إلتزامها بالقوانين المرعية الإجراء من أجل حماية سمعة التعليم في لبنان ومن أجل رفع مستوى الخريجين.
أما في التعليم الخاص فلا بد أن أؤكد ضرورة التعاون بين إدارات المدارس والأساتذة والأهل لإيجاد حلول مقبولة من الجميع وعدم ترك التلامذة رهينة الخلافات التي تترك انعكاسات جسيمة على القطاع التربوي ككل.
ويجب أن يكون التكامل بين القطاع الخاص والرسمي محور نقاشاتكم اليوم وفي الأيام المقبلة من أجل الخروج بتوصيات واضحة في هذا المجال. وأنا أتعهد لكم أن حكومتنا ستولي كل الاهتمام لهذه التوصيات والحرص على تنفيذ ما يمكن منها.
ونحن هنا اليوم لأن أولادنا هم على رأس أولوياتنا ومحط اهتمامنا الأول والأخير، ولبنان سيتعافى من خلالهم ومن خلال التربية والتعليم، وإذا استطعنا اليوم معكم إنقاذ التعليم نكون قد وضعنا حجر الأساس لإنقاذ لبنان وبناء الإنسان.