كلمة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي من السراي الحكومي
الجمعة، ٢٠ أيار، ٢٠٢٢
أيها اللبنانيّون،
قبيل دخول الحكومة حكماً في مرحلةِ تصريف الاعمال، رغبتُ أن أتوجّه إليكم بكلمة. اليوم قبل انعقاد مجلس الوزراء اجتمعت مع فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأجرينا تقويماً لعمل الحكومة على مدى ثمانية أشهر مضت. وخلال الاجتماع أبلغت فخامةَ الرئيس أنه بموجب المادة 69 من الدستور فإن الحكومةَ ستدخل منتصف ليل غد في مرحلة تصريف الأعمال، فطلب فخامةُ الرئيس من الحكومة الاستمرارَ في عملها الى حين تشكيل حكومة جديدة. خلال اللقاء شكرتُ فخامة الرئيس على التعاون الذي حصل بيننا وعلى دعمِه، كما أشكرُ السادة الوزراء الذين عملنا كفريق واحد بروح عالية من المسؤولية الوطنية.
لقد قام كلُ وزير بواجباته في وزارته بالإمكانات والظروف المتاحة، وأدعوهم الى الاستمرار في الأعمال المطلوبة منهم لتسيير شؤون الناس ومواكبة التحديات الكبيرة التي تواجهنا يومياً. كما أحيي الموظفين والإداريين الذين يواظبون رغم الصعوبات والإمكانات على تسيير شؤون الإدارة، بكل ضمير حي ومناقبية شخصية ومهنية، ولهم مني كل التحية.
الشكر موصول أيضاً للمجلس النيابي الكريم ودولة الرئيس نبيه بري بالذات على التعاون الذي طبع العلاقة بين الحكومة والمجلس النيابي. وفي هذه المناسبة بالذات فإنني أتقدم من السادة النواب بالتهنئة ومتمنياً عليهم الإسراع في الخطوات المطلوبة لتسمية رئيس الحكومة الجديد وتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت.
التحديات التي تواجه وطننا تتطلب إدارة قوية وتعاوناً من كل الأطراف، وعدم التأخير في بت الملفات، لأن الوقت لم يعد متاحاً لأي تأخير. هذا التأخير كلفته عالية على لبنان واللبنانيين، ولو قمنا بالحل منذ سنتين لكانت التكلفة أقل بكثير، وكل يوم يمر من دون حل وولوج خطة التعافي سيرتب أعباءً إضافية.
في العشرين من أيلول الماضي نالت حكومة "معاً للإنقاذ" الثقة في مجلس النواب، وها نحن اليوم في 20 أيار نعقد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. وبين هذين التاريخين، مرت ثمانية أشهر كانت حافلة بالتحديات اليومية، التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة.
وفي هذا الإطار سأتوقف عند بعض العناوين لما قامت به الحكومة خلال ثمانية أشهر:
لقد انتهينا للتو من إتمام استحقاق الانتخابات النيابية في موعدها بشفافية وحيادية مطلقة شهد لها العالم وكافة الهيئات الرقابية. ونترك لهم وللرأي العام وللتاريخ أن يحكم في ما إذا كنا أوفياء للتعهّد الذي قطعته شخصياً وكذلك سائر الوزراء بأننا ملتزمون بإنجاز هذا الاستحقاق في موعده. هذا الاستحقاق لم يكن سهلاً ضمن الظروف الاقتصادية الموجودة. حتى الحبر لماكينات الطباعة في الإدارات ليس متوافراً. ولكننا أنجزنا الاستحقاق بكل جدارة من قبل الموظفين والإداريين ووزارات الداخلية والعدل. والشكر الكبير للجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وللقضاة جميعاً. في هذا الاستحقاق كنا على مسافة واحدة من جميع المتنافسين، ولم نكن معنيين إلا بتهيئة أفضل المناخات أمام اللبنانيين لممارسة حقهم الدستوري واستطعنا الى حد كبير القيام بهذا الواجب الوطني على أكمل وجه.
على الصعيد الاقتصادي والمالي وما يتّصل بخطة التعافي المالي والاقتصادي، فقد قمنا بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووقعّنا بالأحرف الأولى ما يسمى "إتفاق الموظفين" الذي يشكل خارطة طريق للحل والتعافي، على أن يستكمل التفاوض في المرحلة المقبلة لإنجاز الاتفاق النهائي الذي سيفضي الى التعافي الكامل. كان همنا الأساسي في هذا الملف وقف الانهيار والحفاظ على المقومات التي تساعد على التعافي، وبشكل أساسي، الى حماية حقوق المودعين، وتمكين كافة القطاعات ومن ضمنها القطاع المصرفي، من النهوض مجدداً.
في هذه المرحلة تم الأخذ بعين الاعتبار ضمان الودائع الذي يشمل صغار المودعين وكبار المودعين. بالنسبة الى صغار المودعين فقد وصلنا مع صندوق النقد الدولي الى تأمين الودائع بسقف يصل الى مئة ألف دولار، فنحن نؤمن الودائع تأميناً كاملاً، ونسعى لزيادة هذا المبلغ خلال المفاوضات اللاحقة.
كذلك كبار المودعين نريد أن نضمن لهم ودائعهم كاملة ونحن بصدد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بهذا الصدد.
في موضوع المصارف، وخلافاً لكل ما يقال، نحن نريد أن نحمي المصارف لأن لا اقتصاد دون مصارف، ولكن على مصرف لبنان أن يقوم بوضع المعايير المطلوبة، لكي تعمل المصارف بطريقة سليمة، لكي تساهم في نمو الاقتصاد.
في ما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي والفعلي يجب أن تكون الخطة مترافقة مع إيجاد فرص عمل لتحقيق النمو المطلوب، ونحن نسعى خلال هذه الفترة الى تحقيق هذين الأمرين.
الهم الأساسي في هذا الملف هو وقف الانهيار والحفاظ على المقومات التي تساعد على التعافي، وبشكل أساسي لحماية حقوق المودعين وتمكين القطاعات كافة، ومن ضمنها القطاع المصرفي من النهوض مجدداً.
من دون الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لن تكون فرص الإنقاذ التي ننشدها متاحة، فهو المعبر الأساس للإنقاذ، وهذا ما عبّر عنه جميع أصدقاء لبنان الذين يبدون نية صادقة لمساعدتنا.
لقد أرسلت حكومتنا الى مجلس النواب عدداً من مشاريع القوانين ذات الصلة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي وأهمها الموازنة، وللمجلس الكلمة الفصل في ما يراه مناسباً في هذا الصدد.
وبين هذين البندين الأساسيين، الانتخابات والتفاوض مع صندوق النقد، تمكنت الحكومة من تصويب وتصحيح الشوائب التي اعترت علاقات لبنان مع أشقائه العرب وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، وأصدقاء في العالم والمجتمع الدولي.
أيها اللبنانيون
نحن نتفهم غضبكم ووجعكم ونعمل قدر المستطاع على تخفيف الحمل عنكم. وبإذن الله وبالتعاون المخلص بين كل الإرادات اللبنانية ستبدأ مرحلة التعافي التدريجي بأسرع وقت ممكن. لقد عملنا في الحكومة بضمير حي وسنستمر في تأدية واجباتنا كما يلزم، لأننا نتطلع أولاً وأخيراً الى تخفيف المعاناة التي يرزح تحتها المواطن ولا قدرة للغالبية على تحمّلها. خلافاً لما يحاول البعض إشاعته، فإن ما تم اتخاذه من خطوات وقرارات هو ضروري لتمرير هذه المرحلة في انتظار استكمال خطوات الحل المطلوب للتعافي والإنقاذ.
على الصعيد الاجتماعي أطلقت حكومتنا برنامج "أمان" للمساعدات الاجتماعية واستفاد منه حتى 45 ألف عائلة، يتقاضون بين مئة ومئة وأربعين دولار كل شهر نقداً، والمخطط له مع نهاية حزيران أن نصل الى دعم 150 ألف عائلة. كما تمت إفادة 60 ألف عائلة من البرنامج الوطني للأسر الأكثر فقراً في لبنان، إضافة الى تقديم مساعدات نقدية شتوية لأبناء المناطق الجبلية ما فوق 700 متر ووصلت المساعدة الى ما مجموعه 48 ألف عائلة، نالت كل عائلة منهم مبلغاً بالدولار الأميركي.
تربوياً تم تأمين إعادة فتح المدارس في كل لبنان عبر دفع الحوافز المالية للأساتذة العاملين في التعليم العام والمهني الرسمي والتي تقدر بحوالي 500 مليار ليرة لبنان. كما جرى دعم صناديق المدارس الرسمية بحوالي 335 مليار ليرة.
أيها اللبنانيون واللبنانيات
في ملف الكهرباء، وهو علّة العلل والسبب الأساس للنزف المالي للخزينة وجيوب اللبنانيين، باشرنا منذ اليوم الأول لبدء عملنا تنفيذ خطة ثلاثية لهذا القطاع تبدأ بتأمين الحد الأدنى من الطاقة عبر الاتفاق مع الحكومة العراقية لتأمين الفيول، وهو اتفاق لا يزال سارياً. أما المرحلة الثانية من الخطة، فتقضي باستجرار الكهرباء من الأردن وتزويد لبنان بالغاز من الشقيقة مصر، وهذه المرحلة لا تزال مرتبطة بأمور تتعلق بالقانون الدولي وبإنجاز الاتفاقات بين لبنان والدول الثلاث لتمرير لاستجرار الكهرباء والغاز عبر سوريا، قبل إقرار القرض الخاص بهذه المرحلة من قبل البنك الدولي.
على المدى الطويل، قرر مجلس الوزراء في جلسة سابقة التفاوض مع أربع شركات دولية هي "إنسالدو، ميتسوبيشي، جنرال الكتريك وسيمنس" في إمكان تزويد لبنان بالمولدات اللازمة لإنتاج الكهرباء بمعدل 24 ساعة وبصورة دائمة. وبالفعل فقد قدمت شركتا جنرال الكتريك وسيمنس، بالإتفاق مع مجموعات دولية، عرضاً لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية قبل الصيف المقبل بسعر مقبول جداً، حتى بما يتعلق بسعر الغاز لإنتاج الطاقة ولكننا تريثنا في الأمر الى حين إعداد دفتر شروط مناسب بطريقة شفافة ووفق القوانين المرعية. وصلني أنا شخصياً، كما وصل الى وزارة الطاقة، عرضان من شركتي "جنرال إلكتريك وسيمنس" ويقضي كل عرض بتزويد معملي دير عمار والزهراني بألف ميغاوات طاقة على الغاز، على أن تؤمن الشركتان أيضا الغاز اللازم لتوليد الطاقة، وبسعر مقبول جداً نسبة الى الأسعار العالمية.
قررنا تكليف مكتب استشاري وضع دفتر الشروط بأسرع وقت ممكن لإجراء عملية تلزيم دولية وفق الأصول، لكن للأسف، فبعدما أرسل معالي وزير الطاقة الطلب الى مجلس الوزراء، تم سحبه بالأمس، من دون إعطاء أي تبرير إلا "للمزيد من الدرس". كذلك فقد سحب وزير الطاقة من مجلس الوزراء الملف المتعلق بتغويز الغاز لمعمل الزهراني وفق مناقصة دولية تشارك بها شركات عالمية. وهذا العرض كان سيساعد لبنان في المستقبل.
ما أوردته عن عمل الحكومة هو القليل من الكثير، فكل الوزراء عملوا بإخلاص، كلّ في وزارته. نعلم اليوم أن وزير البيئة يتابع كل ملفات وزارته وكذلك وزير السياحة ووزيرة التنمية الادارية التي عملت على إقرار ملف السياسة الرقمية ومكافحة الفساد ووضع خارطة لإعادة استنهاض الإدارة اللبنانية، وكذلك وزير الأشغال العامة الذي قام بتلزيم محطة الحاويات في مرفأ بيروت وأعد المخطط التوجيهي للمرفأ الذي سيتم الإنتهاء من العمل به خلال شهر تموز بطريقة علمية من قبل شركات عالمية. وأعتذر إذا كان سها عن بالي عمل وزارات أخرى.
إخواني
عندما قبلت بتسلّم المسؤولية، واجهت تياراً واسعاً من الاعتراضات حتى من أقرب المقربين، لعلمهم بحجم التحديات والتراكمات التي ستواجهني، ولكنني قبلت تحمّل المسؤولية بروح وطنية وبإرادة صلبة للإنقاذ.
لن أتوقف عند كلام التجني والافتراء الذي يقال، ولا عند العراقيل التي واجهتني وواجهت حكومتي، بل سأستمر في العمل ضمن المسؤولية الوطنية التي تقتضيها المرحلة.
بالتأكيد لن أكون شاهد زور إزاء محاولات رهن البلد مجدداً بمصالح شخصية، أو التعاطي مع الملفات الحيوية بمنطق الشخصانية الذي كلف الخزينة أعباءً باهظة منذ سنوات.
عندما قررت قبول المسؤولية، أقدمت بشجاعة، ولكن الشجاعة شيء والانتحار شيء آخر.
سأظل أواجه المسؤولية بشجاعة ولكن لن أقبل بدفع البلد الى الانتحار، لأن هناك من يريد مصلحته قبل أي أمر آخر. سأقول كفى كلما لزم الأمر وسأصارح اللبنانيين بكل أمر.
"معاً للإنقاذ" لم يكن مجرد عنوان لحكومتنا بل كان فعل إيمان مستمر بهذا الوطن وبشعبه الأبي الصامد. وشكراً