
كلمة الرئيس ميقاتي خلال جلسة مناقشة موازنة 2022 في مجلس النواب
الجمعة، ١٦ أيلول، ٢٠٢٢
دولة الرئيس،
سمعنا من سعادة النواب كلاماً يتعلق برأيهم بالموازنة والأوضاع الراهنة. أقول شكراً لكل من لفت نظرنا الى مسائل أساسية في الموازنة، أو أبدى رأياً أو انتقاداً بنّاء، وسنأخذ كل الآراء بعين الاعتبار في خلال إعداد الموازنة المقبلة.
يعلم الجميع أننا دخلنا الى بناء متصدع محاط بالألغام، وكل غرفة في هذا البناء معرضة لنشوب حريق في كل لحظة.
نحن فريق واحد، وما يعنينا هو هذا الوطن. نحن نمد يدنا للتعاون البنّاء. لا ندّعي الكمال، لأنه من المستحيلات، بل رسمنا خطة للتعافي، وأرسلناها الى المجلس النيابي للإطلاع والاستفادة من آرائكم . المادة 69 من الدستور تقول أنه في حال استقالة الحكومة يبقى المجلس في حالة انعقاد دائم الى حين التصويت على البيان الوزاري للحكومة المقبلة، وهذا يعني في رأي بعض المشرعين أننا شركاء، وأنا أتشرف بأن نعمل معاً في سبيل الإنقاذ الحقيقي.
البلد بحاجة للإنقاذ، وهذا لا يتحقق إلا إذا عملنا معاً وتعاوننا بجلسات عامة آخذين في الاعتبار أمرين أساسيين: لا للشعبوية في هذا الموضوع لأن الوطنية تتغلب، ولا مجال للإنكار، لأن الواقعية يجب أن تسود. لا يمكننا أن نعيش حالة إنكار للواقع القائم ويقول كل واحد ما يريده، أو أن يبقى الشارع يتحكم بالواقع. هناك رجال دولة، وأنت على رأسهم دولة الرئيس بري، والمجلس النيابي الكريم، وسعادة النواب الكرام، وكلنا يجب أن نتصرف بروح التعاون، لأن البلد بحاجة إلينا.
هل يعتقد أحد أننا لا نشعر بما يحصل في الشارع؟ هل تعتقد بأنني عندما أدخل الى السراي الحكومي، لا ألمس القلق في عيون الشرطي الذي يؤدي التحية، وحاجته الى شراء الدواء له ولأهله، والى دفع أقساط المدارس؟ هذا الشرطي الذي لا يتجاوز راتبه الـ 70 دولاراً يقف بكل احترام ويقوم بواجبه، ألا يستحق التحية. نعم، أعلم تماماً ما يعاني هذا الشرطي في حياته اليومية وتأمين الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.
أعلم أن غالبية العائلات لديها مصاب بأمراض مزمنة وسرطانية، وتبحث عن الدواء، وليت معالي وزير الصحة الموجود في مهمة مع منظمة الصحة الدولية، كان هنا ليشرح لكم ماذا يحصل في قطاع الدواء. لقد اكتشفنا أن الأدوية المدعومة التي نستوردها تهرّب الى خارج لبنان. ولذلك جرى تنظيم عملية التوزيع وفق نظام معلوماتي دقيق وفتح ملف لكل مريض لكي يتسلم أدويته وفق التوقيت الدقيق.
قبل أن تستقيل الحكومة اتخذنا قراراً بتحويل مبلغ 35 مليون دولار الى وزارة الصحة، ثم اجتمعنا مع رئيس لجنة الصحة النيابية وتمت زيادة المبلغ 5 ملايين إضافية، ومن حوالى العشرة أيام طلب زيادة المبلغ الى 45 مليون دولار، وأنا أتمنى عند مناقشة موازنة وزارة الصحة أن تتم الزيادة من داخل الموازنة، وإذا لم يحصل ذلك أنا أتعهد أن نبقي على المبالغ المخصصة لشراء الأدوية.
في موضوع الجامعة اللبنانية التي تجمع أبناء الوطن، نحن مع حقوق الأساتذة وعودة الطلاب الى مقاعد الدراسة. هل يعتقد أحد اننا لا نعرف مشاكل جامعتنا الوطنية المعطلة، وأننا لا نشعر بمعاناة الأستاذ الذي لا يتجاوز راتبه الأربعة ملايين ليرة، والذي لا يكفي كبدل نقل؟ عند مناقشة بند موازنة الجامعة اللبنانية أتمنى أن نعطي الزيادات اللازمة للجامعة لكي تستطيع أن تقوم بمهامها كما يجب.
في موضوع الإدارة العامة نعلم جميعاً المشكلات القائمة، وفي جلسة التشريع الأخيرة سألت دولة الرئيس أين أصبح المسح الوظيفي والإداري للإدارة العامة، والذي تعهدت الحكومتان السابقتان بوضعه ولم يرسل الى المجلس النيابي. لذلك طلبت، رغم الظروف الصعبة من مجلس الخدمة المدنية ورئيسته أن ينجزوا المسح الوظيفي فوراً، وقد أرسل الى دولتك والمجلس الكريم قبل عشرة أيام، وأتمنى أن يوزع على سعادة النواب. وهذا المسح عبارة عن 188 صفحة يتناول كل واقع الإدارة وعدد الموظفين وبالعدد الموجود في كل قطاع.
أعلم جيداً حجم المشكلات التي يعاني منها الموظفون، ولهذا السبب قررنا، الى جانب دفع المعاش الأساس، إعطاء منحة اجتماعية وبدل إنتاج، وأقترح في هذا الاطار بدل تجزئة المبلغ الى ثلاثة أقسام، وأن يتم دفع الراتب ثلاثة أضعاف شهرياً.
هل يعتقد أحد أننا لا نعلم مشكلات المتقاعدين؟ لقد زارني وفد من المتقاعدين وشكوا من أن ما يتقاضونه كمعاش تقاعد، في شيخوختهم لا يساوي جزءًا من ثمن الأدوية التي يحتاجون إليها، كيف يمكن ألا نشعر مع هؤلاء؟ ألا نشعر بمعاناة المعلمين، أصحاب الرسالة، وأهالي الطلاب والأعباء الإضافية عليهم. ألا نشعر بمعاناة السجناء الذين لا نستطيع تأمين القوت لهم؟ ألا نعلم بحجم مشكلة النفايات في الشوارع؟
وقال: كل هذا التوصيف يقودنا الى الموضوع الأساس، وهو ملف الموازنة. في الأعوام الماضية كانت الموازنة العامة تساوي 17 مليار دولار. هذه السنة باتت الموازنة تساوي مليار دولار، ونحن نسعى لكي نوازن أيضاً بين النفقات والواردات.
سئلنا عن الكثير ولا سيما عن سلامة المرور، بالمنطق العلمي يلزمنا حوالي 3700 مليار ليرة لصيانة الطرق، أي 100 مليون دولار، وفق دراسة علمية. في الموازنة فإن كل المبلغ المخصص لصيانة الطرق هو 250 مليار ليرة أي حوالي 6 مليون دولار. من أين سنأتي بالأموال المطلوبة إذا لم نتعاون جميعاً.
دولة الرئيس،
عندما أقرينا الموازنة قال معالي وزير المال "انها موازنة تصحيحية لمرحلة انتقالية، لها صفة طارئة". ويأتي البعض ليقول أنه الأفضل بين السيء والأسوأ أن نأخذ الخيار الأسوأ وهو الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية.
نحن أمام نهج تراكمي مضت عليه عشرات السنوات وسعادة رئيس لجنة المال أشار الى أنه منذ أكثر من 12 سنة يقدم توصيات بشأن إعداد الموازنة لم تؤخذ بعين الاعتبار. حكومتنا تألفت في شهر أيلول من العام الفائت، وفوراً باشرنا بإعداد الموازنة، وقد أنجزنا الموازنة بجهود معالي الوزير ومديرين و4 موظفين. تعطلت الحكومة من 13 تشرين الأول الى 13 كانون الثاني. وفور معاودة جلسات مجلس الوزراء تقدم وزير المال بمشروع الموازنة وأقريناه وأرسلناه في شهر شباط.
نعلم جميعاً كل الواقع الموجود في البلد وإذا لم نتعاون جميعا، فعلى من سنتكل؟ أنا لم أترشح على النيابة لأنني كنت أعلم صعوبة القرارات المطلوب اتخاذها وكم هي غير شعبوية.
البديل الوحيد عن التعاون بين الجميع لإقرار الموازنة هو "لا موازنة"، أي العودة الى الإنفاق على القاعدة الاثنتي عشرية التي لا تلبي الإنفاق المستجد. أي رفض لهذه الموازنة يعني عملياً العودة الى واردات على سعر صرف هو 1500 ليرة للدولار الواحد، مما يعني مزيداً من سرقة إيرادات الدولة. في الفترة الأخيرة زاد حجم الاستيراد 4 مليار دولار، والتجار يخزنون البضائع في مستودعاتهم في انتظار رفع الدولار الجمركي. هل نقبل أن نكون شهوداً على سرقة الدولة؟ علينا أن نتعاون بدل المضي في النهج الخاطئ ومنطق "عطلني تا عطلك. مرقلي تا مرقلك". ولكن هل الحكومة هي المسؤولة عن كل هذا النهج؟ يمكنني الآن أن أعدد ما يقوم به كل وزير في وزارته.
قال البعض أن قرض القمح من البنك الدولي المقدّر بـ 150 مليون دولار، يكلّف الدولة 5 آلاف و500 مليار ليرة سنوياً، وأن المبلغ غير مدرج في الموازنة. هذا كلام غير صحيح، لا بل على العكس من ذلك، فهو يؤمن إيرادات قد تصل الى حوالي 900 مليار لبنانية في حال استبدلنا القمح بالطحين وبعناه للمطاحن والأفران، وفي المقابل ليست هناك مدفوعات مطلوب سدادها للبنك الدولي لأن القرض ينص على فترة سماح لـ 3 سنوات مع تسهيلات.
البعض يتحدث أن المطلوب مناقشة موازنة العام 2023، وفي هذا السياق أقول باشرت المالية البدء بإعداد موازنة العام 2023، ولكن ليس صحيحاً أن المطلوب إرسالها الآن، فالمطلوب أولاً مناقشتها في مجلس الوزراء، ومن ثم إرسالها الى مجلس النواب في الربع الأخير من هذا العام.
لنكن واقعيين في مقاربة كل المواضيع، وهدفنا واحد وهو إنقاذ الوطن. عام 2021 كان النمو أقل 11 في المئة، ومنذ بداية العام الحالي الى نهاية تموز، هناك زيادة بنسبة 2،2 في المئة عن السنة الماضية. هناك قطاعات تعمل والبلد ماشي، الصناعة تعمل والزراعة الى حد ما متحركة، ولا يجوز إضفاء الصورة السوداوية على كل شيء.
يقول البعض إن المستفيد الوحيد مما يحصل هي المصارف، وجوابي أن نعقد اجتماعاً مع المصارف ونلاحق المطلوب الى أقصى الحدود. نحن على استعداد لسماع آراء الجميع وأخذ كل الملاحظات بعين الإعتبار.
لأول مرة جاء في مشروع الموازنة (المادة 121) أنه خلال شهر من إنذار شاغل الأملاك البحرية بدفع ما يتوجب عليه والغرامات، تقفل هذه المنشأة بالشمع الأحمر ولا يُزال إلا بعد الدفع مع الغرامات.
دولة الرئيس،
في الموازنات التي أقرت خلال أعوام 2018 و2019 و2020 أقرت إصلاحات أساسية، فهل تم تطبيقها أم أن التجاذب السياسي عطلها؟ منذ العام 2000 وبعد مؤتمرات باريس 1 وباريس 2 وباريس 3، أقرّ كمّ من القوانين الإصلاحية في مجلس النواب، فأين هي اليوم؟ ليست هناك إرادة سياسية بتنفيذ هذه الاصلاحات. لقد تم إقرار 4 هيئات ناظمة في الاتصالات، والكهرباء والمطار، فلماذا لم تنفّذ؟ وهل الحكومة مسؤولة عن ذلك؟
إن حكومتنا مسؤولة وأنا مسؤول، ولا أتهرب من المسؤولية، ولا أقول "ما خلوني" أو "التركة ثقيلة". المسؤولية تفرض علينا المعالجة بمسؤولية، فلنتعاون مها طالما الهمّ واحد والهدف واحد. فلنتعاون لإقرار الموازنة وإقرار ما يلزم من تعديلات، ونحن مستعدون للنقاش والبحث. كل الأمور قابلة للتصحيح طالما الهدف واحد.
في ملف الكهرباء أقول تواجهنا اليوم معضلة جديدة تتعلق بتشغيل المعامل. اتخذنا قراراً بتشغيل معملي الذوق والجية. وكما هو معروف عند إدارة أي محرك سيصدر بعض الدخان الأسود، وعلى الفور تم رفع دعوى قضائية وأُحضِر رئيس المعمل الى المخفر، وبناء لقرار قاضي الأمور المستعجلة طلب منه توقيع تعهد بعدم إدارة محركات المعمل. كنا نريد تشغيل المعمل بـ 200 ميغاوات فقط لتأمين الكهرباء لمحطات المياه. من حوالى أسبوعين اتخذ مجلس إدارة كهرباء لبنان قراراً برفع التعرفة وصادق القرار معالي وزير الطاقة، وبالأمس صادق أيضاً وزير المال، ونحن في انتظار إصدار قرار استثنائي يوقّعه فخامة الرئيس وأنا، وعندها يمكن البدء باستيراد الغاز من الأردن، لأن رفع التعرفة كان مطلباً أساسياً للتأكد من مسار الهيئة الناظمة للكهرباء. كذلك زار المدير المسؤول عن الملف في البنك الدولي في بيروت وزارة الطاقة واطلع شخصياً على مسار تشكيل الهيئة الناظمة، كما يجب. عندنا أيضاً مولدات للطاقة تنتج حوالى 1400 ميغاوات ولكنها تحتاج الى الفيول أويل، وإذا كنا سنبيع الكيلوات بأقل من نص سنت الكيلووات، فلا يمكن شراء الفيول أويل. ومن خلال التعرفة المقترحة بات في الإمكان شراء الفيول أويل ولكننا نحتاج الى نوع من رأسمال تشغيلي للبدء بالتشغيل. ونحن في صدد البحث مع المنظمات الدولية لتوفير هذا الأمر. أحد النواب قال بالأمس إن أحد أحياء الأشرفية محروم من الكهرباء منذ أسبوع، واليوم أقول إن مدينتي طرابلس محرومة منذ شهر من الكهرباء والماء. لا ننظر الى المسألة من منطلق الاعتبارات المناطقية وكلنا في مركب واحد، وأنا مستعد للتعاون مع الجميع، واعتبروا أنفسكم حكومة تنفيذية، وراقبوا وشرعوا وقدموا الاقتراح الذي تريدونه لإنقاذ البلد. وسنتابع العمل معا لإقرار ما يلزم. وشكرا.