كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في حفل تخرج الطلاب السنوي (الدفعة الثانية من خريجي شباب العزم) في جمعية العزم والسعادة الاجتماعية – قاعة المؤتمرات، معرض رشيد كرامي الدولي – طرابلس
الخميس، ٢٢ تشرين الأول، ٢٠٠٩
طلابنا الأعزاء، يا شباب العزم،
أيها الأهل الكرام،
إنها مناسبة مميزة أن نلتقي اليوم مع الدفعة الثانية من خريجي شباب العزم في المراحل الثانوية والجامعية وحملة الماجستير. وكم كنا نتمنى لو أن الجمع إكتمل بحضور باقي الخريجين الذين سافر قسم منهم للعمل في الخارج، وقسم آخر يتابعون دراساتهم العليا في الخارج تحضيراً للدكتوراه.
إننا، إذ نحتفل وإياكم بتخريج الدفعة الثانية هذه، نعلم جيداً أن العام المقبل، والأعوام التي ستليه، ستشهد
إن شاء الله، زيادة في عدد الخريجين في مختلف الإختصاصات والمستويات. كما أننا في صدد التحضير لافتتاح "مجمع العزم التربوي" الذي أردناه أن يكون من أرفع المعالم التربوية، فيؤمن لأبنائنا تحصيل العلم على أعلى المستويات، وبإشراف نخبة من الأساتذة المتخصصين.
إننا على قناعة راسخة أن لا نهوض لوطننا من الأزمات التي يعاني منها الاّ بالعلم الذي يوفر وحده للأجيال الصاعدة فرص العمل للمستقبل وآفاقا جديدة من البناء والانجاز.
في هذه المناسبة التربوية الغالية على قلبي، وإنطلاقاً مما خبرناه من أوضاع المؤسسات التربوية العاملة، أرى من الضروري أن يصار الى مزيد من إستقلالية فروع الجامعة اللبنانية فتتعزز المنافسة البناءة ويتمكن طلابنا بالتالي من كسب المعرفة وفق أحدث التقنيات والعلوم الحديثة، فيكونوا قادة وروادا ومبادرين ومبتكرين ينشئون مشاريعهم ومؤسساتهم الخاصة داخل لبنان وخارجه.
أيها الحضور الكريم،
تتابعون مسار التطورات السياسية في البلاد وتعيشون من دون شك قلقا على ما يجري، وهو قلق مشروع، لأن ما يشهده وطننا يدعو فعلا الى الخوف على الحاضر وعلى المستقبل في آن:
فالوحدة الوطنية التي هي حفظ الوطن ودعامته الأولى، تواجه امتحانا قاسيا بفعل المناخات السياسية التي تخيم منذ سنوات والتي احدثت اهتزازا ينذر بما هو أخطر. والمؤسسات الدستورية التي هي الاساس في قيام الدولة تعاني شللا على المستويين التنفيذي والتشريعي.
أما إدارات الدولة ومؤسساتها العامة فباتت، بفعل تنامي الفساد والمحسوبية، عبئا على الوطن، فيما الاقتصاد يعاني من غياب التوازن في قطاعات الانتاج ومن طغيان الاقتصاد الريعي في ظل غياب رؤية اقتصادية تنموية متكاملة.
إن التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة الجديدة يشكل أحد وجوه الأزمة الوطنية التي نعاني منها منذ مدة
ولم تنفع المبادرات الداخلية والخارجية في وضع حد لها، في ظل جنوح البعض الى اعطاء الديمقراطية مفهوما خاصا به، وسعي البعض الآخر الى الترويج لأعراف وآليات حكم تتجاوز ما توافق عليه اللبنانيون في الطائف وجعلوه ميثاقا وطنيا جديدا.
وسط هذا التناقض يأتي من يتحدث عن ضرورة إعادة النظر في الصلاحيات الدستورية، متجاهلا أن المناعة الوطنية ليست في وضع يسمح باثارة هذه الطروحات، التي، وإن بدا البعض منها منطقيا أحيانا فهي تتطلب إجماعا وطنيا لم يتوافر بعد لتشكيل الحكومة العتيدة، فكيف بإعادة النظر في المسائل الميثاقية.
أيها الحضور،
لا شيء يبرر في رأيي، هذا التأخير المتمادي في تشكيل الحكومة الجديدة وفق الأصول الدستورية والأعراف الميثاقية المعتمدة، ولا أرى، ويا للأسف، أي تفسير منطقي ومقبول لما يحصل ما عدا استمرار البعض في العمل لابقاء لبنان ساحة للصراعات والتجاذبات الخارجية، وجعل القرار اللبناني أسير ظروف أخطر من قدرة اللبنانيين على التأثير على مجراها.
من هنا فإنني أجدد الدعوة للجميع من أجل وقفة ضمير تجدد ثقة اللبنانيين بوطنهم وتعيد تحقيق التضامن الذي ينقذ لبنان من المجهول وتوقف هذا الانحدار الخطير والسريع في آن نحو الفوضى والتشرذم والضياع الذي يقودنا اليه استمرار الفراغ في السلطة التنفيذية التي تجسدها مؤسسة مجلس الوزراء.
إن لبنان، أيها السادة، على المحك، وكأن قدره أن يواجه مرة جديدة إستحقاقات مصيرية وخيارات صعبة، إلا أنني على ثقة بأن لبنان سينتصر في النهاية وسنرفع معا مداميك نجاحه وتقدمه.
يا شباب العزم لا تدعوا اليأس يتسلل الى قلوبكم على رغم الصورة القاتمة التي نعيشها واستعدوا للمشاركة في صنع التغيير انطلاقا من الواقع، فأنتم من سيبني لبنان الغد الذي لا بد سيكون على صورتكم ومثالكم ويلبي طموحاتكم وتطلعاتكم.
عشتم وعاش لبنان.